يروي تمثال الأسد البازلتي العملاق الذي يتربع في قاعة المتحف الوطني بحماة قصة تاريخ ثلاثة آلاف عام من عمر الحضارة الإنسانية في حماة ويعد أعجوبة من عجائب عالم الآثار والنحت نظراً لضخامة حجمه ودقة نحته وروعة هندسته ومظهره الجذاب.
وقال المهندس جمال رمضان رئيس دائرة آثار حماة تشكل المنحوتات الحيوانية جزءا مهما من تاريخ المملكة الآرامية التي امتدت في سورية وكان من أهم مدنها آرام بمعنى حماة وتميزت المنحوتات بضخامتها وخروجها من داخل المعابد لتزين واجهات القصور وهي في الغالب كانت تنقش على شكل أسود وقد عثر على بقايا أسدين بازلتيين عملاقين يزينان البوابة الرئيسية للقصر الملكي الآرامي في حماة والذي يعود تاريخ بنائه إلى الملك الحثي أرخولينا بنبارتيس حوالي 900 قبل الميلاد ويعتقد بأن سبب تحطم الأسدين هو جحافل الملك الاشوري صرعون الثاني حيث سلبت حماة عام 720 قبل الميلاد ودمرت منحوتاتها ومبانيها بحريق ضخم.
وأوضح أن البعثة الأثرية الدنماركية التي قامت بين عام 1931 و1938 بالتنقيب في تل حماة الأثري عثرت على بقايا الأسدين في حالة سيئة حيث تم اخراجهما ونقلهما إلى متحف كوبنهاغن في الدنمارك لاجراء اعمال الترميم حيث تم دمج بقايا الأسدين في أسد واحد ليعرض في المتحف نفسه لمدة تزيد على نصف قرن إلى أن تم إبرام اتفاقية بين الجانبين السوري والدنماركي في تسعينيات القرن الماضي تقضي بإعادة تمثال الاسد إلى مهده في حماة وليعرض في المتحف الوطني على اعتبار أن البعثة الدنماركية شاركت وبشكل أساسي في أعمال العرض الذي تم في متحف حماة والذي أجريت له تدعيمات إسمنتية وخصوصاً للطابق الأرضي مكان وقوف الأسد خوفا من انهيار المبنى تحت ثقل التمثال الذي يصل وزنه إلى 10 أطنان.
ولفت راكان سليمان مدير المتحف الوطني بحماة إلى أن تمثال الأسد البازلتي يعتبر من أبرز القطع الأثرية في سورية لأن تاريخ إنشائه يرجع إلى 3 آلاف عام أما ارتفاعه فيبلغ 5ر3 امتار في حين يتجاوز طوله 5 أمتار وعرضه 5ر1 متر وبذلك يعد من أضخم القطع الأثرية في سورية حيث يمتاز هذا التمثال بدقة نحته والتي تظهر التفاصيل الحقيقية كالأنياب العملاقة والشعر وشكل الجسد الانسيابي مع ضخامة الرأس والأرجل وبروز المخالب الأمر الذي يصوره في حالة تأهب للانقضاض فضلاً عن أن نحته من حجر بازلتي صواني قاس يعتبر حالة فريدة كون الصوان يمتاز بعمره الطويل وبقساوته العالية وفي تلك الفترة كانت الأدوات الحديدية ماتزال بسيطة وهذا يدل على الجهد الكبير الذي بذل في عملية نحته وبمعنى أنه نحت ليبقى شاهداً يروي قصة حضارة عظيمة عبر العصور نهضت في حماة على ضفاف العاصي منذ 3 الاف عام.
وأوضح عصام اليوسف خبير الترميم في دائرة آثار حماة أن عمليات الترميم للتمثال جرت منذ أكثر من 80 عاماً وتحديداً في تلك الفترة لم تكن تقنيات الترميم متوفرة كما في وقتنا هذا فقد استخدم الدنماركيون مادة الحديد في عمليات وصل وتجميع ودمج قطع الأسدين ما سبب مشاكل كبيرة لدينا اليوم لأن تلك القطع الحديدية بدأت تعاني من الصدأ بفعل الرطوبة والعوامل الجوية والذي بدأ يظهر واضحاً في الأجزاء السفلية للتمثال لذا نجري له بشكل متواصل عمليات تنظيف خارجية باستخدام مواد مخبرية ومواد خالية من الأملاح تساعد على إزالة هذا الصدأ كما توجد لدينا محاولة أخرى لوقف الصدأ عبر ضبط مناخ وجو القاعة التي يوجد فيها التمثال لتخفيف نسبة الرطوبة أملاً في الحد من هذا الصدأ.